ما هو السبب الرئيسي الذي يكمن وراء الإرتفاع الحاد لأسعار النفط؟ البعض
يلقي باللوم على عاتق شركات البترول التي تتلاعب بأسعار النفط في السوق العالمية. والبعض
الآخر يستشهد بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، إلى جانب التهديد العسكري، التي
كان من شأنها عرقلة تدفق النفط في منطقة الشرق الأوسط.
فيما أيضا يلقى باللوم على المضاربين بسبب إرتفاع أسعار النفط. أما
على الساحة السياسية، فإن الرئيس أوباما يأخذ على عاتقه أسباب زيادة إنتاج النفط المحلي،
في الوقت الذي يشير فيه منتقديه إلى بطء وتيرة إدارته في إصدار تصاريح التنقيب عن
النفط، والتي ستكون في القريب العاجل بمثابة عرقلة لحركة الولايات المتحدة من زيادة
ملحوظة في إنتاجها للنفط.
فيما تم التغاضي عن السبب الأساسي لإرتفاع أسعار الطاقة، رغم أنه
يحدث أمام أعيننا. إلا إن سبب إرتفاع أسعار النفط يعود إلى هبوط في قيمة الدولار. تخفي
فطرتنا السبب الرئيسي وراء هذا الإرتفاع، بسبب نظرتنا إلى أن قيمة الدولار ثابتة،
والأسعار هي التي ترتفع وتنخفض. وأوضحت تقارير إخبارية أن الإرتفاع الحاد في أسعار
السلع الإستهلاكية لشهر فبراير/شباط هذا العام سبب إرتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية،
مما أدى إلى زيادة في معدلات التضخم. بالطبع، لا يتسبب إرتفاع الأسعار بزيادة
معدلات التضخم، وإنما هو في حد ذاته إجراء تضخمي.
إن الثمن الذي ندفعه لإنطلاء هذه الخدعة يتخطى إلى حد بعيد فكرة تشويه
سمعة صناعة النفط والأسواق الحرة. وأن كيفية قياس السعر الحقيقي لقيمة الدولار
الحالي تكمن في القيمة التي نفقدها من خسارة لإزدهارنا والحد من حريتنا.
حيث لا تعد قيمة الدولار ولا أسعار السلع الفردية ثابتة. وإنما التغيرات
التي تحدث في الأسعار النسبية للسلع والخدمات تعود إلى التغير التكنولوجي أو التحول
في العرض أو الطلب. وإن إنخفاض أسعار أجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون نوعا ما هو
إنخفاض في أسعار جميع الأشياء. على الجانب الأخر، فإن موجة الصقيع المبكرة التي
إجتاحت ولاية فلوريدا أدت إلى نقص الإنتاج لكثير من المحاصيل، مما أدى إلى زيادة في
أسعارها. ولكن، في المقابل تتغير قيمة الدولار، عادة بطرق غير محسوسة على مدى فترات
قصيرة من الزمن. ونتيجة لذلك، عندما يرتفع سعر البنزين بنسبة 6٪ خلال شهر واحد، كما
حدث في فبراير/شباط العام الحالي، فيبدو لنا أن سعر البنزين هو الذي إرتفع، وليس قيمة
الدولار هي التي انخفضت.
إن إدراك كيفية تغير سعر صرف الدولار هو إدراك للتغيرات في الأسعار خلال
فترة الـ 10 سنوات. منذ العام 2002، إرتفع سعر برميل النفط إلى أربعة أضعاف ما كان
عليه سابقا، ليصل حاليا إلى 107 دولار والذي كان سعره 26 دولار في العام 2002. وفي
الإشارة إلى أن شركات النفط لديها ما يكفي من القوة لفرض مثل هذه الزيادة في أسعار
النفط، أو أن المضاربين هم المسؤولون عن هذه الزيادة، شيئا مناف للعقل. ولذلك فإنه
من الأصوب القول بأن الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي هو الذي دفع قيمة الدولار إلى
الإنخفاض، بدلا من القول بأن أسعار النفط والبنزين هي التي ترتفع.
على سبيل المثال، إذا كانت قيمة الدولار منذ عام 2002 ثابتة فإن:
1.
سعر النفط اليوم باليوان الصيني
سيبلغ 82 دولار، وتكلفة غالون البنزين العادي حوالي 3,10 دولار؛
2.
سعر النفط اليوم باليورو،
سيبلغ 77 دولار، وتكلفة الغاز العادي حوالي 2,90 دولار؛
3.
سعر النفط اليوم بالين الياباني
سيبلغ 71 دولار، وتكلفة الغاز العادي حوالي 2,75 دولار؛
4.
سعر النفط اليوم بالفرنك السويسري
سيبلغ 63 دولار، وتكلفة الغاز العادي 2,50 دولار.
رغم أن هذه النتائج لا تبين تراجعا كاملا في قيمة الدولار، لأن قيمة
جميع هذه العملات، أيضا، إنخفضت على مدى العقد الماضي. أما إذا كانت قيمة الدولار بمثابة
قيمة الذهب، فإن سعر برميل النفط اليوم سيكون حوالي 20 دولار، وسينخفض سعر غالون البنزين
ليصل 1 دولار. هذا صحيح، إن إنخفاض الأسعار الناجم عن الزيادة في أسعار النفط والغاز
الطبيعي تسبب في إخفاء حقيقة هبوط قيمة الدولار.
ومع ذلك، فإننا لا ندرك كيف أن مئات المليارات من الدولارات من أموال
المساهمين في خطر بسبب إيجاد وتطوير هذه الإمدادات الواسعة والجديدة من النفط والغاز
الطبيعي التي وضعت ضغوطا على أسعار الطاقة. بالمقابل، فعندما نواجه إرتفاع في أسعار
البنزين، فعندها ندرك أن القيمة الإسمية للنفط الذي تم إستخراجه من باطن الأرض في العام
2002 قد إرتفعت إلى جانب سعر البنزين، مما أدى إلى إنتاج أرباح هائلة على حسابنا. لكن،
نظام النقد الورقي للدولار، وليست شركات النفط، أو ضمنا، الأسواق الحرة، هو من
يلقى باللوم عليه بسبب إنخفاض الأسعار الناتجة عن ذلك.
إن اكتساح الدولار يضعف أيضا إزدهارنا وأمننا. على النحو المفصل في الكتيب
الذي شاركت في تأليفه مع زميلي رالف بينكو، كاتب عمود، لدى مجلة فوربس Forbes.com، فقد أدى وجود نظام النقد الورقي للدولار، منذ
أن تم قطع العلاقة بين الدولار والذهب في العام 1971 بشكل نهائي، إلى تباطؤ النمو وإرتفاع
متوسط البطالةR03;R03;، وتعميق الركود الإقتصادي،
إلى جانب الأزمات المالية المتكررة. فيما لو تمكنت الولايات المتحدة من الحفاظ على
نمو متوسط إقتصادها كما كانت عليه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية 1971، لكان
الإقتصاد اليوم أكبر بنسبة 50٪، ومتوسط نسبة الدخل 50٪.
تم تأييد هذه النتائج من خلال دراسة قام بها (بنك إنجلترا - Bank of England) والتي توصلت إلى أن نسبة نمو الإقتصاد العالمي
مقارنة مع معيار الذهب في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في ظل نظام (بريتون
وودز - Bretton Woods)، كانت
بطيئة جدا، إلى جانب إرتفاع معدلات التضخم بنسبة 1,5٪، والركود الإقتصادي المتكرر،
وإرتفاع الأزمات المصرفية إلى متوسط R03;R03;قدره 2,6٪ سنويا.
إن الثمن الأكبر وراء خدعة هبوط الدولار هو الإضمحلال المستمر لحريتنا.
لقد إستغلت الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية هذا الوهم من إرتفاع لأسعار
النفط وذلك من أجل زيادة حجم ونطاق حكومتها. ومن أجل صمود عرشها، قامت بفرض معايير
إقتصادية جديدة على الوقود بإهدار مليارات الدولارات من الدعم المقدم للإيثانول، والمركبات
الكهربائية، ومشاريع الطاقة الخضراء، إلى جانب طواحين الهواء التي تقتل ما يقارب 250
ألف طير سنويا.
إن سلطة طباعة النقود بمحض الإرادة، كانت أيضا سببا لفساد النظام الحكومي.
أولا، من خلال تمويل العجز الحكومي المتزايد بالأموال التي تم الحصول عليها حديثا،
وقامت الحكومة بالحد من قدرة المشاركين في السوق على التحقق من نموها. والأسوأ من ذلك،
فإن الجمع بين 0٪ من أسعار الفائدة، وزيادة 8٪ في مستوى الأسعار، منذ ديسمبر/كانون
الأول 2008، لا يبرر تخلف الحكومة الفيدرالية بشكل جزئي عن دفع ديونها البالغة
وقتئذ 10 تريليون دولار. في الواقع، لقد قامت الحكومة بسرقة مبلغ 800 مليار دولار من
أصحاب الديون، مما جعل أشكال الفساد المالي وغيره في تزايد مستمر وزاد من مديونية
الإتحاد الفيدرالي ليصل إلى 15 تريليون دولار.
إن انعدام المسؤولية قوض شرعية الحكومة وأضعفها– وشرعية التجارة أيضا.
وقد ساهمت قيمة الدولار غير المستقرة إلى زيادة في تدفق الأزمات المالية الحادة خلال
السنوات الأربعين الماضية. فقد أدى ذلك إلى إنتشار جميع أنواع السندات والعقود
الإشتقاقية المالية والتي ميزت (وول ستريت- Wall Street) عن نظيره (مين ستريت - Main Street). حيث يواصل الإحتياطي الفيدرالي سياسة سعر الفائدة
0٪ من أجل خدع المدخرين عن طريق تحويل مئات المليارات من الدولارات لإنفاقها على السلطة
لأولئك الذين يقترضونها.
لا يكمن الخطر
الحقيقي فقط في إرتفاع أسعار البنزين بل يتعداه. فيما تتطلب عودة أسواق النفط واستقرار
أسعار البنزين وشرعية الحكومة والأسواق إلى ما كانت عليه سابقا، إصلاحا أساسيا لنظام
النقد الورقي للدولار. وأثبتت آخر أحداث النفط، والأزمة المالية الحالية، وتجربة الـستين
عاما الماضية أن تحويل قيمة النقد الورقي للدولار مقابل دولار بقيمة الذهب أمر ضروري،
إذا أرادت الحكومة أن تحقق هدفها الأساسي بتأمين حقوق الشعب غير القابلة للمصادرة مثل
حقوق العيش والحرية والملكية والسعي وراء السعادة.