ترنح الاقتصاد الصيني في
شهر يونيو/ حزيران، حيث أظهر تراجعا ملحوظا. إن تدني النشاط الاقتصادي في
الشهر الماضي يؤكد على أن مكتب الإحصائيات الوطني في بكين قد بالغ في تقدير حجم
النمو حين صرح يوم الجمعة بأن اقتصاد البلاد قد شهد نموا بنسبة 7.6% في الربع
الثاني مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
كما ذكر مكتب الإحصائيات
الوطني أيضا أن مبيعات التجزية لشهر يونيو/ حزيران قد ارتفعت بنسبة 13.7%، وأن
الإنتاج الصناعي للشهر ذاته قد ازداد بنسبة 9.5%. كما شهد قطاع الاستثمار في
الأصول الثابتة، باستثناء المنازل الريفية، تحسنا مماثلا في يونيو/ حزيران. إذ
قفز بنسبة 20.4% في النصف الأول، ما عكس تحسنا ملحوظا مقارنة بالزيادة البالغة
20.1% للأشهر الخمسة الأولى.
لا شك أن هذه الأرقام
تتتفوق على نظيراتها في غيرها من الأنظمة الاقتصادية الهامة. ولكن تبقى مشكلة
واحدة: فإحصائيات بكين لا تنسجم عموما مع الأرقام الرسمية الأخرى ونتائج
الاستقصاءات المستقلة لشهر يونيو/ حزيران.
إذ ترسم الأرقام التي تدلي
بها مصادر أخرى صورة مختلفة للاقتصاد. فبعيدا عن الأرقام المشكوك بصحتها من
مكتب الاحصائيات الوطني، لم يكن هناك سوى علامتين مبشرتين في يونيو/ حزيران. كانت
الأولى أن حجم القروض المصرفية الجديدة بلغ 919.8 مليار يوان في الشهر الماضي،
مقارنة بـ 633.9 مليار يوان في شهر يونيو/ حزيران من العام الفائت.
ثانيا، حققت مبيعات
سيارات الركوب زيادة بمقدار 15.8% عن العام الذي سبق. مع ذلك، فإن هذا الخبر
السار تصاحبه إشاعات بأن الشركات المصنعة تجبر وكلاءها على قبول سيارات لا
يمكنهم بيعها من أجل الحفاظ على نسبة مرتفعة من "المبيعات". علاوة على
ما ذكر، فإن مبيعات المركبات التجارية، وهي مؤشر هام على النمو، قد انخفضت في
الشهر الماضي بنسبة 10.2% مقارنة بالعام الفائت.
لقد أشارت معظم العوامل
إلى تدهور الاقتصاد. وكان أهمها توليد الطاقة الكهربائية، وهو المؤشر الأكثر
موثوقية على النشاط الاقتصادي الصيني. في شهر يونيو/ حزيران، قامت الصين بتوليد
393.4 مليار كيلوواط ساعي، وهي كمية أدنى بقليل مما أنتجتها في الشهر ذاته من
العام الماضي والتي بلغت 396.8 396.8 مليار كيلوواط ساعي. ولأن نمو الكهرباء
يتخطى نمو الناتج المحلي الإجمالي تاريخيا، فلا شك بأن النظام الاقتصادي في
الصين قد تراجع خلال الشهر.
وينسجم هذا التراجع مع
مؤشر (بنك اتش اس بي سي- HSBC)
لمديري المشتريات الذي تدنى إلى 48.2 مقارنة بشهر مايو/أيار حيث بلغ 48.4. يشير
الرقم الخاص بشهر يونيو/ حزيران إلى التراجع للشهر الثامن على التوالي في القطاع
الصناعي الهام للغاية.
وقد اتضح الهبوط في حجم
التصنيع من خلال انخفاض مؤشر أسعار المنتج بنسبة 2.1% في شهر يونيو/حزيران. كما
بدأ المحللون بالحديث الآن عن التضخم في الصين. وقد صاحب هذا التراجع اعتدال في
نسبة التضخم الاستهلاكي. إذ طرأ ارتفاع طفيف على مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 2.2%
في الشهر الماضي، وهو تغير ملفت مقارنة بنسبة شهر مايو/ أيار المتدنية أصلا
والبالغة 3.0%.
وكان من بين الأمور التي أظهرت ضعف الطلب
الداخلي نمو الواردات بنسبة 6.3%، وهي نصف ما توقع المحللون. بل إن نسبة نمو
الصادرات والبالغة 11.3% لم ترق إلى مستوى التوقعات أيضا.
كما يتجلى الانحدار في
الاقتصاد الصيني في النمو "البطيء للغاية" في المقياس الضيق لكمية
النقود (M1). ويذكر ديريك سيسورز
من (مؤسسة هيريتج- Heritage Foundation) أن الناتج المحلي
الإجمالي شهد في النصف الأول من العام الماضي زيادة بمقدار 9.6% في حين قفز مقياس
M1 بنسبة 13.1%.
وفي حال كانت تقارير مكتب
الإحصائيات الوطني دقيقة، تكون العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي ومقياس M1 قد انعكست في هذا
العام. فقد صرح المكتب بأن الناتج المحلي الإجمالي قد نما بنسبة 7.8% في النصف
الأول فيما ارتفع مقياس M1 بنسبة 4.7% فقط. في الواقع، من المحتمل أن النمط الذي كان سائدا
خلال العام 2011 قد بقي كما هو وأن الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفع بنسبة أدنى
من 4.7%. وبما أن الاقتصاد قد شهد بطء خلال النصف الأول، فلا بد أن شهر يونيو/
حزيران قد كان شهرا استثنائيا.
ولكنك لست بحاجة إلى
مساعدة مطلعة من الدكتور سيسورز كي يخبرك بأن الاقتصاد الصيني يمر بأزمة صعبة.
إذ لا يمكنك أن تتفق مع ما يزعم تحقيقه من نمو في الوقت الذي توضع فيه أكوام
النحاس في المواقف ويكدس الحديد الخام
في المخازن. كما أن سفن الفحم الهائمة في البحار دليل آخر على أن بكين قد
بالغت في تقدير حجم النمو بشكل ملحوظ.
ولإيجاز ما ذكر، فإن ما قاله أحد المحللين في
بكين ذاتها يشير إلى أن خبراء الإحصائيات في الحكومة المركزية قد تفوهوا
بالأكاذيب. قال زينغ زينلي، نائب رئيس المركز الصيني للتبادلات الاقتصادية
الدولية، في منتصف الشهر الماضي إن: "معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي قد
ينخفض إلى أقل من 7% إذا لم يطرأ تحسن ملحوظ على البيانات الاقتصادية لشهر
يونيو/ حزيران". في الحقيقة، لم يكن هناك أي تحسن ملحوظ في شهر يونيو/
حزيران، لكن مكتب الإحصائيات الوطني قرر رغم ذلك أن يدلي بتصريحات متفائلة عن
الأداء.
كان من المفترض أن يشهد
شهر يونيو/ حزيران بداية تعاف لأن رئيس الوزراء وين جياباو كان يحاول إحداث نمو
خلال الربع الثاني. إن عدم انتعاش الاقتصاد في الشهر الماضي يعني أننا شهدنا
"انتكاسة" يخشى منها المحللون.
بل إن آن ستيفنسون- يانغ
من (مركز أبحاث جاي كابيتال- J Capital Research)
تصف الاقتصاد بمصطلح أكثر ملاءمة إذ تقول بأنه يعاني من "تخشب موتي".