في
الماضي، عندما كنت أدرس قانون مكافحة الاحتكار، عرض أستاذي الجامعي مقارنة رائعة
توضح كيفية عمل سوق البطاقات الائتمانية. لنتناول حانات العزاب كمثال، حيث يدفع
الرجال مبلغا من المال للدخول فيما يسمح للنساء بذلك مجانا. في داخل تلك الحانات،
تزدهر سوق تجارية يمكن فيها لأفراد كلا الجنسين أن يختلطوا إجتماعيا وأن
يتبادلوا الضحكات وربما أن يعودوا إلى المنزل سويا.
إن
هذه السوق التجارية تتطلب دفع تكاليف معينة- إذ هناك موظفون وفواتير للكهرباء-
لكنها لا تتوزع بالتساوي على جميع المشاركين، فهي تقع على الشريحة التي تملك
الحافز الأكبر للدفع. فيما يتعلق بحانات العزاب، تتكون هذه الشريحة من الرجال
غالبا. إذ أن النساء لن تذهب إلى تلك الحانات ما لم تكن مجانية، ولن يذهب الرجال
إليها ما لم تكن فيها نساء. لذا فإن الرجال يدفعون المال عن طيب خاطر كي يتمكنوا
من الاختلاط بالنساء التي تدخل تلك الأماكن مجانا. (أما في محال تنظيف الملابس
فتكون العملية معكوسة؛ إذ تدفع النساء أكثر من الرجال لتنظيف ملابسهن لأن أصحاب
تلك المحال قد اكتشفوا منذ أمد بعيد أن الرجال سيحجمون عن تنظيف ملابسهم إذا كانت
التكلفة مرتفعة جدا).
إن
ما جرى في الليلة الماضية من تسوية قامت بها (شركة فيزا- Visa) بقيمة 6 مليار دولار يقلب كل هذا رأسا على
عقب. لسنوات عديدة، كان التجار هم أولئك الرجال في حانات العزاب، فهم يدفعون معظم
التكاليف المترتبة على تشغيل شبكة الكترونية واسعة الانتشار تحقق لهم مكاسب عظيمة
(تخيلوا كم سيكون حجم مبيعات التجزئة لو أن كل واحد دفع نقدا أو بواسطة شيكات).
لكنهم بدؤوا بالتفكير بعد ذلك: لماذا لا تدفع النساء؟ كيف انتهى بنا الأمر إلى دفع
الفاتورة وحدنا؟ وبالتالي ظهرت سلسلة من دعاوى مكافحة الاحتكار التي تم التوصل إلى
تسوية بشأن آخرها يوم أمس.
بموجب
هذه التسوية، ستقوم شركة فيزا وماستر كارد ومجموعة من البنوك منها (باركليز- Barclays)
و(تشايس- Chase)
و(كابيتال وان- Capital One) و(ويلز فارغو- Wells Fargo ) بدفع 6 مليارات
دولار نقدا وتخفيض ما تسميه "رسوم التبادل" بمقدار 10 نقاط بداية
لمدة ثمانية أشهر بعد توقيع الاتفاق. كما أنها ستحذف العبارات المعيارية التي
تدرج في عقودها مع التجار كي تحظر على المتاجر أن تتقاضى مبلغا إضافيا من
الزبائن التي تستخدم البطاقات الائتمانية.
لقد
نظر التجار وعلى رأسهم شركة (وول مارت- Wal-Mart) (صاحبة شعار "تخفيض
يومي للأسعار") إلى جميع تلك الأموال التي تتدفق إلى شركات البطاقات
الائتمانية كل شهر وتساءلوا، لماذا لا يكون كل هذا لنا؟ ثم تعاونوا مع مكاتب
المحاماة الخاصة بقضايا الشركات، ومنها (روبنز غيلر - Robbins
Geller)، و(بيرغر ومونتاغيو- Berger
& Montague)، و(روبنز كابلين- Robins Kaplin) لرفع دعوى جماعية ضد شركات
البطاقات الائتمانية بتهمة التآمر لفرض رسوم معاملات مرتفعة جدا.
لن
أدخل في تفاصيل الأدلة المقدمة؛ ربما تكون تلك الشركات قد تآمرت بطريقة ما،
بالرغم من أن شركة فيزا، التي ستدفع 4.1 مليار دولار، تصر على أنها لم ترتكب أي
خطأ. لكن من الصعب التوصل إلى حجج مقنعة بأن هذا سيعود بالنفع على المستهلكين.
إنهم يستفيدون فعليا من شبكة الكترونية واسعة الانتشار تسمح لهم بالدخول إلى أي
متجر وشراء ما يرغبون بواسطة بطاقة الفيزا أو الماستر كارد وبالأسعار المعلنة دون
أن يضطروا إلى المساومة حول الشروط، بعكس الرحلات الجوية واستئجار السيارات التي
تتطلب دفع ضرائب إضافية ورسوما خفية مرتفعة.
كما
أن التجار قد انتفعوا من هذا النظام إلى حد كبير أيضا. من الصعب تحديد مقدار هذه
المنفعة، رغم أن عددا غفيرا من علماء الاقتصاد قد حاولوا فعل ذلك، لكن التقديرات
البسيطة تشير إلى أن كثيرا من عمليات الشراء تحدث فقط لأن المستهلكين يستسهلون
إخراج البطاقات الائتمانية من محفظاتهم. وقد نظر تجار التجزئة إلى ذلك الدخل
الناشئ من الرسوم والذي كانوا يرسلونه إلى شركات البطاقات الائتمانية دون أن
يسألوا أنفسهم: أهذا أسوأ من عدم البيع مطلقا؟
وفقا
لهذه التسوية، سيتمكن تجار التجزئة من فرض ضريبة إضافية على رأس المال الذي
يتكون سنويا حسب هذه المعادلة البسيطة:
مجموع متوسط رسوم التبادل المحلية
التي تحصل عليها شركة فيزا في الولايات المتحدة ومتوسط رسوم الشبكة (التي تشمل
الرسوم المفروضة على المكتسبين أو التجار ذوي الصلة بعملية إجراء التعاملات أو
بقبول العلامة التجارية الخاصة بالشبكة) بدءا من تاريخ الموافقة الأولية أو كما
يتم تعديله لاحقا تبعا لهذه الفقرة.
هذا أفضل!
هل
سيقومون بذلك؟ ستسمح التسوية أيضا للتجار بالتفاوض على اتفاقيات لإلغاء الضرائب
الإضافية مع فيزا والماستر كارد، مقابل شيء آخر ذي قيمة على الأرجح، شريطة أن
تكون تلك الاتفاقيات محددة المدة وأن يتم التفاوض عليها فرادى. أعتقد أن قلة من
التجار ستستغل الفرصة لفرض الضرائب على شريحة واحدة من الزبائن، رغم أنك ترى مثل
هذا التصرف في محطات الوقود وبعض محال التجزئة الأخرى التي تفرض زيادة مرتفعة جدا
عند الدفع نقدا.
تفيد
إحدى المقالات التي كتبها عالم الاقتصاد ريتشارد شمالنسي من (معهد ماساشوستس
للتقنية- M.I.T.)
أن المستهلكين في أستراليا لم يستفيدوا بشكل واسع عقب قيام الدولة بخفض رسوم
التبادل في العام 2003.
يبدو
في المجمل أن تجار التجزئة قد استفادوا نوعا ما خلال الفترة القصيرة التي تم
فيها خفض رسوم التبادل، فيما انخفضت أرباح شركات البطاقات الائتمانية، كما استفاد
بعض المستهلكين (خاصة أولئك الذين كانوا يميلون إلى استخدام النقود في الشراء)
وتضرر آخرون (خاصة أولئك الذي يستخدمون البطاقات الائتمانية للتمتع بمزايا
إضافية).
وقد
أصيب العديد من المستهلكين بالصدمة بعد أن هددت البنوك بزيادة أسعار فتح الحسابات
الجارية لتعويض الخسارة التي نجمت حين فرض البنك المركزي قيودا جديدا على رسوم
السحب على المكشوف في العام 2010. فبدلا من أن تكون شبكة الكترونية تحصل على
المال نظير خدماتها من الأشخاص الذين اختاروا عدم استعمال الشيكات فقط، أصبحت شبكة
يضطر كل فرد إلى دفع المال لها.
وفي
غضون ذلك، تجري نقاشات حول ضرورة إنشاء أنظمة مالية أخرى أكثر انفتاحا وشفافية.
لكن هل سيكون وضع المستهلكين أفضل في ظل نظام يدفعون من خلاله تكاليف شبكة
البطاقات الائتمانية مباشرة، بدلا من دفع الجميع تكاليف أعلى لتجار التجزئة بشكل
غير مباشر؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لكننا نعلم شيئا واحدا: أولئك
الذين يدفعون نقدا سيربحون، فيما سيخسر على الأرجح أولئك الأشخاص الذين استغلوا
البطاقات الائتمانية للحصول على مزايا إضافية وبرامج استرداد النقود.
هناك
مجموعة أخرى من الرابحين: وهم المحامون الذين تفاوضوا بشأن هذه التسوية نيابة
عنا. لم تحدد الأتعاب في التسوية الأولية التي قدمت يوم الجمعة، ولكنها قد تصل
إلى مئات ملايين الدولارات على الأرجح.