11 كانون2/يناير 2016
الإثنين, 11 تشرين2/نوفمبر 2013 16:31

من طعنة الخنجر إلى الدمار الشامل بقلم: إبراهيم بوهندي

في تتبعنا لما تقوم به الأنظمة الإيرانية المتعاقبة على الحكم في إيران من عدوان على البلدان العربية المجاورة لها ـ بالسطو على أراضي بعضها كما فعل النظام «الشاهنشاهي» ضد «الإمارات العربية المتحدة»، باستيلائه بالقوة العسكرية على «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى»،

والتدخل السافر في الشؤون الداخلية لتلك البلدان بدعم وتحريض «الشعوبيين» الموالين لها «طابورها الخامس» الموجود على أراضيها، وبالافتراء كذباً وزوراً بحقٍّ ليس لها فتدعيه في بعضها الآخر، غير عابئة بحقائق التاريخ والجغرافيا الداحضة لتلك الادعاءات ـ إذا أردنا الوقوف على حقيقة الأسباب، لا بد لنا من العودة إلى تلك الأيام في التاريخ الإسلامي حين كانت إيران بكل ما فيها ومن عليها مرغمة بالخضوع للخلافة الإسلامية العربية، حيث كانت تحكمها قيادة عربية من مركز الخلافة في حواضر بلاد العرب، في المدينة المنورة وبعدها في الشام ثم في بغداد، قبل سقوط الخلافة العباسية العربية على يد المغول بتعاون من تآمروا معهم عليها، من أولئك المنتمين إلى الحركة «الشعوبية» القائمة على تفضيل العجم على العرب فاعتمدت في نشاطها المعادي على ترويج المشاعر القومية الفارسية والاعتداد بها، واستغلال الفرق والجماعات المذهبية المختلفة المفرقة بين المسلمين للقضاء على سلطة الخلافة العربية. وهنا أعيد ما استشهدت به في مقال سابق مما ذكره المفكر الشيعي المعروف الدكتور «علي شريعتي»، الذي قتل في مدينة لندن في ظروف غامضة، في رأيه عن الصفوية: «وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم عمدت الصفوية على إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها، وجرّها إلى داخل بيت النبي إمعاناً في التضليل لتتمخض عن ذلك السعي حركة شعوبية شيعية، مستغلة المذهب الشيعي لكي تضفي على الشعوبية طابعاً روحياً ساخناً ومسحة قداسة دينية، ولم يكن ذلك الهدف متيسراً إلا عبر تحويل الدين الإسلامي وتحويل شخصية محمد وعلي إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية، تؤمن بأفضلية التراب الإيراني والعنصر الفارسي».
يرى بعض المهتمين بالشأن السياسي العربي والإسلامي من المؤرخين بأن أول ما يمكن أن ينسب للحركة «الشعوبية» من اعمال عدائية ضد العرب والإسلام، هو اغتيال الخليفة «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه على يد «أبي لؤلؤة المجوسي» انتقاما للدولة «الساسانية» التي سقطت في ظل خلافته. ومما يدل على بداية التكوين لتلك النزعة الشيطانية هو ما توثق عن تلك المؤامرة من أقاويل ذكرت أسماء شركاء مع القاتل فيها. فتقول الروايات أن «عبد الرحمن بن أبي بكر» شهد بأنه «رأى»الهرمزان» و»أبالؤلؤة» و»جفينة النصراني» ليلة الحادث يتشاورون، فلما فوجئوا به اضطربوا وسقط منهم خنجر ذو نصلان، وقال «عبد الرحمن بن أبي بكر» أنه نفس الخنجر الذي طعن به عمر، أما «الهرمزان» فكان من ملوك المجوس الفرس على منطقة الأحواز، وقد أسره المسلمون وعفا عنه الخليفة بعد نكثه العهد مراراً وكان الحقد يملأ قلبه لأنه فقد ملكه، وعندما شعر بالخطر أظهر الإسلام ولكن الناس كانوا يشكون في إسلامه. وأما «جفينة النصراني» فهو من مسيحيي الحيرة أرسله سعد بن أبي وقاص إلى المدينة ليعلم أبناءها القراءة والكتابة. وقال بعض المؤرخين أنه كان لليهود دور في المؤامرة».
كانت الطعنة الإيرانية الغادرة، التي استشهد بها أمير المؤمنين «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه، استمراراً لفعل النفاق الذي استتر به المنافقون في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتجسيراً لوصل ذلك النفاق بالأماكن والأزمنة فامتد في الرقعة الإسلامية التي اتسعت فتلون متقلباً في حقبٍ لاحقة شهدت مزيداً من الدسائس والمؤامرات والاغتيالات، فتم إضعاف الإسلام العربي للقضاء عليه، انتقاماً للإمبراطورية الساسانية من البدوالعرب «آكلي الضباب، شاربي لبن النوق كما أسماهم «أبو القاسم الفردوسي»» ـ ذلك الشاعر الشعوبي الذي كلّفه محمود الغزنوي في بدايات القرن 11م بكتابة قصائد شعرية يمجد فيها تاريخ فارس وحضارتها، وتعهد له بأن يعطيه وزن ما يكتبه ذهباً وعلى هذا الأساس وضع الفردوسي ملحمته، التي أسماها «الشاهنامة» «كتاب الملوك أو ملحمة الملوك» وهو كتاب يعد الملحمة الوطنية لبلاد فارس ويشكل ثقلا كبيراً بالنسبة للقوميين الفرس، وللكتاب مكانة عظيمة عندهم فهو سجل تاريخهم، وأناشيد مجدهم، وديوان لغتهم. وقد أسماه «لسان الدين بن الخطيب» قرآن الفرس. وتأكيداً على شعوبيته فقد وضع «الفردوسي» جل تلك الملحمة في شتم العرب وتحقيرهم وتمجيد الفرس وملوكهم، فمما يقوله فيها: «مِن شُرب لبن الابل وأكل الضب بلغ العرب مبلغاً أن يطمحوا في تاج الملك؟ فتباً لك أيها الزمان وسحقا».
ومن تلك المؤامرة التي أصاب هدفها «أبولؤلؤة المجوسي» نمت الحركة الشعوبية بالتعصب القومي الفارسي لتشمل بعض الفرق أوالجماعات الإسلامية في نشاطها المعارض للخلافة الإسلامية العربية. وبانطلاق «أبومسلم الخراساني» من «خراسان» في شرق «إيران»، التي نشأت فيها الحركة القومية الفارسية في القرن الثاني للهجرة على شكل تيار شعوبي، ارتفعت رايات الثأر المبطنة بمحبة آل البيت لانتقام الفرس من العرب. رأى العباسيون أن الفرصة قد أصبحت مؤاتية، فقاموا بتوظيف تلك الحركة للإطاحة بالخلافة الأموية. وتحت الراية العباسية التي تواشجت في لونها مشاعر ثأر الفرس من العرب والانتقام لآل البيت من الأمويين، قاد «أبومسلم الخراساني» جيشه في معركة «الزاب» ضد جيش الأمويين بقيادة آخر خلفائهم «مروان بن محمد» فانتصر «الفرس الخراسانيون» فيها حيث قال «أبو مسلم»: «الآن أدركنا ثأرنا» وبهذه المقولة عبّر عن الروح الشعوبية التي بداخله. وقد تكون تلك المقولة هي التي نبهت «أبا جعفر المنصور» إلى ما يضمره «أبومسلم» في نفسه من حقد على العرب فقتله خوفاً من غدره.
وعبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الأنظمة العربية القائمة تواصل الأنظمة الفارسية المتعاقبة باستنهاض «الشعوبية» في سعيها إلى تقويض الأنظمة الإسلامية العربية، ويذهب بعض الباحثين إلى أن لليهود دوراً تاريخياً كبيراً في تحريض الفرس ضد العرب عن طريق الشعوبية.
إن الدور الذي تقوم به إيران اليوم يتلبس تلك الروح التي إن تخبو نار شياطينها في قليل من الوقت فهي لا بد أن تعود مرة أخرى، لأن ذلك المشروع الصفوي لم تتم صياغته انتصاراً للعرق أوالمذهب فقط وأنما بهما معاً لاستعادة ذلك المجد الإمبراطوري، بالتوسع في الأرض والإقامة في الزمان إلى يوم الدين وعلى رأس الأهداف كل الدول العربية وشعوبها. لذا يجب علينا مقاومة ذلك المشروع «الصفوي» ليس باستنساخ النظرية أوالمبدأ الذي يقوم عليه، ولكن بالقضاء على تلك المِسانّ التي بها شحذ «أبو لؤلؤة المجوسي» خنجره ليوجه تلك الطعنة الغادرة إلى ظهر «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه.

 

نقلا عن ((الايام))

 

تابعونا على ...