لا يختلف اثنان على أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فأسابيع قليلة بعد رحيل النجم البرازيلي جونينهو، الذي تفانى في خدمة ليون ثمانية مواسم كاملة، يبدو أن النادي الفرنسي قد وجد الوريث الشرعي للاعب نادي الغرافة القطري الحالي. فقد أصبح اللاعب البوسني الشاب ميراليم بيانيتش، ذو ال20ربيعا، أحد الركائز الأساسية في تشكيلة ليون، الذي استطاع إقصاء نادي ريال مدريد بمجرة نجومه المعروفة، وإخراجه من دوري أبطال أوروبا. وبهذا الصدد، يقوم موقع FIFA.com بإطلاع زواره على مشوار هذا النجم الشاب الذي أصبح مايسترو أوركسترا ليون بامتياز.

قبل الانتقال إلى نادي ليون، بزغ نجم الشاب ميراليم بيانيتش بفريق ميتز، قادما إليه من لكسومبورج حيث تعلم هناك المبادئ الأساسية للساحرة المستديرة، بعد أن هرب والداه، وهما مسلمان منحدران من البوسنة، من ويلات الحرب العرقية التي عاشت على إيقاعها يوغوسلافيا من 1991 إلى 2001. وليس من الغريب أن يتألق ميراليم في عالم كرة القدم، إذ كان والده فاهرودان بدوره لاعب كرة قدم، ومارس لسنوات طويلة بفرق القسم الثاني.

لقد كان لزاما على ميراليم أن يتدرج في الفئات السنية للنادي قبل دخول عرين الكبار لأول مرة في 18 آب/أغسطس 2007. وبخصوص هذا الأمر، يقول فرانسيس دي تاديو، المسؤول عن مدرسة التكوين بالنادي "لقد تمكن من المرور بسلاسة متناهية من دوري 16 سنة إلى دوري الدرجة الأولى دون أية مشاكل"، مضيفا "إنه لاعب موهوب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إنه جوهرة يجب معرفة تثمينها جيدا". ويزيد من قيمة هذه الشهادة أنها تصدر عن شخص محنك وعليم بخبايا كرة القدم ومواهبها، إذ سبق أن مر على يديه نجوم من قيمة روبير بيريس ولويس ساها وإيمانييل أديبايور.

عملية تسليم الزعامة
قبل المجيئ إلى فرنسا، لعب الشاب البوسني بعض المباريات بقميص منتخب اللكسومبورج لأقل من 17 سنة وبعده لأقل من 19 سنة مابين سنة 2004 و2007، لكنه سرعان ما لفت أنظار نادي إف سي ميتز. ورغم علو كعب الموهوب ميراليم ومهاراته الكبيرة، فذلك لم يمنع ناديه من الانحدار إلى دوري الدرجة الثانية موسم 2008، وبالتالي تم فك الارتباط مع الشاب ميراليم، الذي التقطته هذه المرة أعين خبراء ليون الذين سارعوا إلى التعاقد معه في صفقة بلغت 7.5 مليون يورو.

لقد كان هدف المدرب كلود بويل من انتداب ميراليم جعل هذا الأخير ينصهر بشكل تصاعدي وسلس في بوثقة الكبار، واللعب بشكل مستمر إلى جانب جونينهو حتى يتسنى له النهل من خبراته ومهاراته وتعويض رحيله فيما بعد. لكن موسم ميراليم الأول مع ليون لم يكن مثاليا؛ فقد تعرض لإصابة على مستوى المشبك حتمت عليه البقاء خارج الميادين والاكتفاء أحيانا بالمشاركة بديلا لبضع دقائق.

وعن هذه المرحلة العصيبة، صرح بيانيتش مع بداية هذا الموسم: "كان الموسم الماضي بالنسبة إلي كارثيا. لكن روح العزيمة التي أمتلكها والرغبة في العودة بقوة إلى الميادين سيساعداني لإثبات قيمتي الحقيقة".

وبالفعل صدق ميراليم في تصريحه. فقد اعتمد المدرب بويل على خطة 4-3-3، التي تجعل من البوسني الشاب "لاعب وسط ميدان قريب جدا من المهاجم الصريح". وهو المكان المفضل لديه، والذي يسمح له بإخراج كل ما في جعبته من مهارات، وتعويض النجم جونينهو بأجمل طريقة ممكنة، لكن بطريقته الخاصة وبأسلوب مغاير؛ فأريحيته الفنية ونظرته الشاملة للملعب تتكاملان بشكل مثالي لتجعلا منه مايسترو الفريق. وهو ما يؤكد عليه النجم الشاب بالقول: "جونينهو لاعب كبير وقد ساعدني كثيرا، لأنه قدوتي في عالم كرة القدم، لقد سبق لي أن هاتفته لأطلب منه إذا كان بإمكاني حمل القميص رقم 8 المفضل بالنسبة لي، والذي كان يحمله سابقا، وقد وافق على الفور دون أي تحفظ، كما طلب مني التخلص من كل الضغوط الملقاة على كاهلي".

خير خلف لخير سلف
لقد كان هدف ميراليم في مرمى أندرلخيت يوم 19 آب/أغسطس 2009، خلال الدور الثالث التأهيلي لدوري أبطال أوروبا خير دليل على قوة ومهارة هذا اللاعب. وفي هذا السياق يقول ميراليم: "يجب أن أعمل بجد إذا أردت أن أكون مثل جونينهو، لكن في نفس الوقت لا أريد أن تتم مقارنتي به". وهو ما يدل على أن النجم الشاب واعٍ تماما بالإرث الكبير الذي تركه المايسترو البرازيلي بنادي ليون، وبالتالي فهو يرغب في رسم معالم شخصيته الخاصة به بعيدا عن كل مقارنة، حيث أوضح في هذا الباب: "ألعب بطريقتي الخاصة، وأحاول تسجيل الأهداف من الضربات الثابثة التي يحصل عليها الفريق، وبصراحة أجتهد كثيرا بهذا الصدد لأنني أعتبر تنفيذ الضربات الثابثة من نقاط قوتي. صحيح أني ألعب بأسلوبي الخاص، لكن يشرفني أن تتم مقارنتي بلاعب من طينة وحجم جونينهو. وينبغي علي الآن ترسيخ الصورة الجيدة التي أعمل على رسمها في ذهن كل عشاق النادي".

لكن في بعض الأحيان يظهر ميراليم بمستوى غير جيد، ويبدو ضائعا على المستطيل الأخضر، بيد أنه يحتفظ بقدرة هائلة على التحرك في الوقت المناسب وتقديم الإضافة اللازمة لناديه، بل وقلب موازين المقابلات لفائدة ليون؛ وهذا ما حصل بالضبط على ملعب سنتياغو برنابيو، خلال مباراة ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا ضد ريال مدريد (1-1). فعلى أرضية حصن النادي الملكي، سجل الموهوب ميراليم هدفه الأوروبي الخامس هذا الموسم، والأكيد أنه أغلى وأكثر أهدافه التي أسالت المداد في كل وسائل الإعلام.

ورغم كل التألق والمدح الذي لقيه بعد مباراة ريال مدريد، فالصغير ميراليم كان نجما بكل المقاييس في بلده الأصلي قبل هذه المباراة،  علماً أنه يلعب بألوان قميص البوسنة والهرسك منذ 20 آب/أغسطس. فقد تألق بشكل ملفت للنظر خلال المباريات التأهيلية لكأس العالم FIFA 2010، وكان قاب قوسين من ضمان تذكرة التواجد مع الأقوياء في بلد مانديلا، بيد أن منتخبه لم يتمكن من تجاوز مباراة السد القوية التي جمعته بمنتخب البرتغال المدجج بالنجوم يتزعمهم الخطير كريستيانو رونالدو.

وقد احتفل ميراليم يوم 2 أبريل/نيسان بعيد ميلاده العشرين، أي في فترة حاسمة بين مباراة ذهاب وإياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا التي يلاقي فيها ليون فريق بوردو. لكن رغم كل الضغط فأصدقاء "ميري" لم يفقدوا التركيز بل انقضوا على المركز الأول في جدول الترتيب المؤقت للدوري الفرنسي الممتاز على حساب رفاق النجم مروان الشماخ.

ومن المنتظر أن تستمر المعزوفة الجميلة التي ينشدها المايسترو ميراليم وأصدقاؤه، لكن رغم كل هذه النجاحات فالنجم الشاب لم يفقد شيئا من تواضعه، حيث أكد قائلاً: "لن أفرح كثيرا وأغتر بما يحدث، فأنا أعرف أن ما وصلنا إليه هو نتيجة طبيعية للروح المعنوية العالية للفريق بأسره". بيد أن كل المتتبعين يعلمون جيدا أن النتائج الإيجابية لنادي ليون ترجع أساسا إلى المستوى الكبير الذي ما فتئ يظهره المايسترو الجديد ميراليم في كل المباريات....